اذا كان للامام المهدي عليه السلام، غيبة طويلة

اشارة
وقد تستمر الفين سنة او اكثر؛ فكيف يمكن ان يبقى هذه المدة حيا! أليس من المستبعد ان يعيش الانسان ألف سنة، او اكثر من ذلك؟
الجواب
نذكر ما سطره يراع استاذنا مؤلف كتاب؛ (منتخب الاثر) حول هذه المسئلة:
قال دام ظله: اعلم؛ انه استبعد طول عمره بعض من العامة! حتى عاب الشيعة على قولهم ببقائه عليه السلام هذه المدة الطويلة، وقال بعض منهم: ان الوصية لاجهل الناس تصرف الى من ينتظر المهدي عليه السلام!. وانت خبير بان لا قيمة للاستبعاد في الامور العلمية والمطالب الاعتقادية بعد ما قام عليه البرهان ودلت عليها الادلة القطعية من العقل والنقل فهذا نوع من سوء الظن بقدرة الله تعالى وليس مبنى له الا عدم الانس، وقضاء العادة في الجملة على خلافه والا فيتفق في اليوم والليلة بل في كل ساعة، وان الوفٌ من الحوادث والوقائع العادية في عالم الكون حتى في المخلوقات الصغيرة، وما لايرى الا باعانة المكبرات؛ مما امره اعجب واعظم من؛ طول عمر انسان سليم الاعضاء والقوى العارف بقواعد حفظ الصحة العامل بها، بل ليس مسالة طول عمره اغرب من خلقته وتكوينه وانتقاله من عالم الاصلاب الى عالم الارحام ومنه الى عالم الدنيا، وبهذا دفع الله
استبعاد المنكرين للمعاد في كتابه الكريم قال الله تعالى: [ياايها الناس ان كنتم في ريب من البعث فانا خلقناكم من تراب ثم من نطفه الآية؛ وقال:
اولم ير الانسان انا خلقناه من نطفه
الى آخر السورة، وقال عز من قائل:
[وقالوا أئذا كنا عظاما ورفاتا]
الى آخر الآيات، هذا مع وقوع طول العمر في بعض الانبياء؛ كالخضر ونوح وعيسى وغيرهم عليهم السلام، وكيف يكون الايمان بطول عمر المهدي عليه السلام امارة الجهل مع تصريح القران الكريم بامكان مثله في قوله تعالى: [فلولا انه كان من المسبحين للبث في بطنه الى يوم يبعثون، ووقوعه بالنسبة الى نوح عليه السلام في قوله تعالى: [فلبث في قومه الف سنة الا خمسين عاما]، وبالنسبه الى المسيح عليه السلام في قوله تعالى: [وان من اهل الكتاب الا ليؤمنن به قبل موته، وقد اخبر ايضا بحياة ابليس؛ وانه من المنظرين الى يوم الوقت المعلوم، ولم ينكر ذلك احد من المسلمين ولم يستبعده، وروى مسلم في صحيحه، في القسم الثاني من الجزء الثاني في باب ذكر ابن صياد، والترمذي في سننه في الجزءالثاني، وابو داوود في صحيحه في باب خبر ابن صائد من كتاب الملاحم؛ روايات متعددة في ابن صياد وابن صائد، وان النبي صلى الله عليه وآله: احتمل ان يكون هو الدجال الذي يخرج في آخر الزمان، وروى ابن ماجة في صحيحه في الجزء الثاني في ابواب الفتن في باب فتنة الدجال وخروج عيسى، وابو داوود في الجزء الثاني من سننه من كتاب الملاحم في باب خبر الجسّاسة، ومسلم في صحيحه في باب خروج الدجال ومكثه في الارض؛ حديث تميم الداري، وهو صريح في ان الدجال كان حيا في عصر النبي صلى الله عليه وآله، وانه يخرج في آخر الزمان، فان كان القول؛ بطول عمر شخص من الجهل، فلم لم
ينسب هؤلاء احد بالجهل مع اخراجهم هذه الاحاديث في كتبهم وصحاحهم، وكيف ينسب بالجهل من يعتقد طول عمر المهدي عليه السلام مع تجويز النبي صلى الله عليه وآله مثله في عدو الله الدجال؟!
والحاصل: ان بعد وقوع طول العمر لامجال للتعجب منه فضلا عن الاستبعاد والقول باستحالته، قال السيد ابن طاووس رحمه الله؛ في الفصل (۷۹) من (كشف المحجة) في مناظرته مع بعض العامة: (لوحضر رجل وقال: انا امشي على الماء ببغداد. فانه يجتمع لمشاهدته، لعل من يقدر على ذلك منهم فإذا مشى على الماء، وتعجب الناس منه، فجاء آخر قبل ان يتفرقوا وقال ايضا: انا امشي على الماء. فان التعجب منه يكون اقل من ذلك، فمشى على الماء، فان بعض الحاضرين ربما يتفرقون ويقل تعجبهم، فاذا جاء ثالث وقال: انا ايضا امشي على الماء. فربما لا يقف للنظر اليه الا قليل، فإذا مشى على الماء سقط التعجب من ذلك فان جاء رابع وذكر؛ انه يمشي ايضا على الماء. فربما لايبقى احد ينظر اليه ولا يتعجب منه، وهذه حالة المهدي عليه السلام، لانكم رويتم؛ ان ادريس حي موجود في السماء منذ زمانه الى الآن، ورويتم؛ ان الخضر حي موجود منذ زمان موسى عليه السلام او قبله الى الان، ورويتم؛ ان عيسى حي موجود في السماء وانه يرجع الى الارض مع المهدي عليه السلام، فهؤلاء ثلاثة انفار من البشر قد طالت اعمارهم وسقط التعجب بهم من طول اعمارهم فهلا كان لمحمد بن عبدالله (صلوات الله وسلامه عليه وآله) اسوة بواحد منهم ان يكون من عترته آية لله جل جلاله في امته بطول عمر واحد من ذريته، فقد ذكرتم ورويتم؛ انه يملا الارض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا؟ ولو فكرتم لعرفتم ان تصديقكم
وشهادتكم انه يملآ الارض بالعدل شرقا وغربا وبعدا وقربا اعجب من طول بقائه واقرب الى ان يكون ملحوضا بكرامات الله جل جلاله لأوليائه، وقد شهدتم ايضا له؛ ان عيسى بن مريم النبي المعظم عليه السلام يصلي خلفه مقتديا به في صلاته وتبعا له ومنصورا به في حروبه وغزواته، وهذا ايضا اعظم مقاما مما استبعدتموه من طول حياته فوافقوا على ذلك انتهى.
وقال العلامة سبط ابن الجوزي في (تذكرة الخواص ص ۳۷۷): وعامة الامامية على ان الخلف الحجة موجود وانه حى يرزق ويحتجون على حياته بادلة:
منها: ان جماعة طالت اعمارهم كالخضر و الياس، فانه لايدرى كم لهما من السنين، وانهما يجتمعان كل سنة فيأخذ هذا من شعر هذا، وفي التوراة ان ذا القرنين عاش ثلاثة الآف سنة، والمسلمون يقولون الفا وخمسمائة، ونقل عن محمد بن اسحاق اسماء جماعة كثيرة رُزقوا طول العمر وقد اسرد الكلام في جواز بقائه عليه السلام مذ غيبته الى الآن وانه لا امتناع في بقائه انتهى.
واستدل الحافظ الكنجي الشافعي (في كتاب البيان ب ۲۵)، على ذلك؛ ببقاء عيسى والخضر والياس وبقاء الدجال وابليس وذكر دليلا على بقاء الدجال؛ مارواه مسلم في حديث طويل في الجساسة انتهى.
وقد تضمنت التوراة من المعمرين؛ اسماء جماعة كثيرة وذكر احوالهم ففي سفر التكوين الاصحاح الخامس الآية ۵ على ما في ترجمتها من اللغة العبرانية والكلدانية واليونانية الى اللغة العربية ط بيروت سنة (۱۸۷۰ م): (فكانت كل ايام آدم التي عاشها تسعمائة وثلاثين سنة ومات) وفي الآية ۸ قال: فكانت كل ايام شيث سبعمائة واثنتي عشرة سنة ومات) وفي الآية ۱۱: (فكانت كل ايام انوش
تسعمائة وخمس سنين ومات)، وفي الآية ۱۴: (فكانت كل ايام قينان تسعمائة وعشر سنين ومات)، وفي الآية ۱۷: (فكانت كل ايام مهللئيل ثمانمائة وخمسا وتسعين سنة ومات)، وفي الآية ۲۰: (فكانت كل ايام يارد تسعمائة واثنتين وستين سنة ومات)، وفي الآية ۲۳: (فكانت كل ايام اخنوخ ثلاثمائة وخمسا وستين سنة)، وفي الآية ۲۷: (فكانت كل ايام متو شالح تسعمائة وتسعا وستين سنة ومات)، وفي الآية ۳۱: (فكانت كل ايام لامك سبعمائة وسبعا وسبعين سنة ومات)، وفي الاصحاح التاسع في الآية ۲۹: (فكانت كل ايام نوح تسعمائة وخمسين سنة ومات)، وفي الاصحاح الحادي عشر في الآية ۱۰ الى ۱۷: (۱۰. هذه مواليد سام؛ لما كان سام ابن مائة سنة ولد ارفكشاد بعد الطوفان بسنتين. ۱۱. وعاش سام بعد ما ولد ارفكشاد خمسمائة سنة وولد بنين وبنات. ۱۲. وعاش ارفكشاد خمسا وثلاثين سنة وولد شالح. ۱۳. وعاش ارفكشاد بعد ما ولد شالح اربعمائة وثلاث سنين وولد بنين وبنات. ۱۴. وعاش شالح ثلاثين سنة وولد عابر. ۱۵. وعاش شالح بعد ما ولد عابر اربعمائة وثلاث سنين وولد بنين وبنات. ۱۶. وعاش عابر اربعا وثلاثين سنة وولد فالج.
۱۷. وعاش عابر بعد ما ولد فالج اربعمائة وثلاثين سنة وولد بنين وبنات)، وذكر في هذا الاصحاح جماعة؛ غير هؤلاء من المعمرين، نقتصر بذكر اسمائهم وهم: فالح ورعو وسروج وناحور وتارح، وفي الاصحاح الخامس والعشرين في الآية ۷ ذكر؛ ان ابراهيم عاش مائة وخمسا وسبعين سنة، وفي الآية ۱۷ ذكر؛ ان اسماعيل عاش (۱۳۷ سنة)، هذا بعض ما في التوراة من اسماء المعمرين وهو حجة على اليهود والنصارى.
وقال العلامة الكراجكي في (كنز الفوائد) في الكتاب الموسوم (بالبرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان) ؛ ان: اهل الملل كلهم متفقون على جواز امتداد الاعمار وطولها وقال بعد ذكر بعض ما في التوراة: وقد تضمنت نظيره شريعة الاسلام ولم نجد احدا من علماء المسلمين يخالفه او يعتقد فيه البطلان بل اجمعوا من جواز طول الاعمار على ما ذكرناه، انتهى.
وقد نقل مثل ذلك عن المجوس والبراهمة والبودائية وغيرهم ومن يريد الاطلاع على احوال المعمرين فليطلبها من؛ (البحار) وكتاب (المعمرين) لابي حاتم السجستاني وكتاب (كمال الدين) و (كنز الفوائد) في الرسالة الموسومة؛ (بالبرهان على صحة طول عمر الامام صاحب الزمان)، فقد ذكر في هذه الرسالة جماعة من المعمرين واشبع الكلام في بيان الادلة الدالة على جواز طول الاعمار.
هذا كله مع ما ثبت في علم الحياة وعلم منافع الاعضاء وعلم الطب من امكان طول عمر الانسان اذا واظب على رعاية قواعد حفظ الصحة، وان موت الانسان ليس سببه انه عمّر تسعين او ثمانين او غيرهما بل لعوارض تمنع عن استمرار الحياة، وقد تمكن بعض العلماء كما ترى فيما نذكره عن مجلة (الهلال) من اطالة عمر بعض الحيوانات (۹۰۰) ضعف عمره الطبيعي، فاذا اعتبرنا ذلك في الانسان وقدرنا عمره الطبيعي (۸۰ سنة) يمكن اطالة عمره (۷۲۰۰۰ سنة) واليك مقطع من بعض المقالة التي نشرتها مجلة (الهلال) في الجزء الخامس من السنة الثامنة والثلاثين (ص ۶۰۷ مارس ۱۹۳۰ م):
كم يعيش الانسان؟ بقلم: طبيب انجليزي
يعتقد العامة وبعض الخاصة، حتى من الاطباء ان مدى عمر الانسان سبعون سنة، على المتوسط كما جاء في التوراة وقلّ ان يجاوز ذلك، وقد وقف رئيس مدرسة طبية ذات يوم خطيبا في تلاميذه فقال: ان الادلة الباثولوجية تدل دلالة مقنعة على ان انسجة الجسم تبلى بعد مرور زمان ما، وان هنالك حدا محدودا لعمر الانسان.
فاذا صح قول هذا المدير؛ فان الاسباب الكثيرة التي تنشأ منها دورة العمر هي ثابتة غير متغيرة دون متناول العلم ولنفرض ان منطقة (كنال بناما) المشهورة بامراضها الكثيرة قطعت عن سائر العالم وكنا نحن فيها نجهل احوال الحياة والموت في العالم الذي وراءها، لو حدث ذلك لكنا نقول ان كثرة الوفيات في هذه المنطقة وقصر العمر امور معينة بحكم الطبيعة، وان التحكم فيها دون متناول العلم. الفرق بين الامرين هو في الدرجة لا في النوع فان جهلنا لاسباب بعض الامراض هو الذي يحول دون تقليل الوفيات واطالة الاعمار في العالم، ودورة العمر كما نسميها متغيرة قابلة لتأثير العلم فيها والذي يعارضني في ذلك اسأله: اي دورة من ادوار العمر هي الثابتة؟ دورة العمر في الهند‌ام في (نيوزيلند)‌ام في (اميركا)‌ام في منطقة (الكنال)؟ واىُّ الحرف التي نحترفها نقول عنها: ان دورة العمر فيها ثابتة وطبيعية أَحرفة الفلكي التي الوفيات فيها (۱۵) الى (۲۰) في المائة تحت المتوسط‌ام المحاماة التي الوفيات فيها (۵) الى (۱۵) فوق المتوسط
ام تنظيف الشبابيك التي الوفيات فيها (۴۰) الى (۶۰) في المائة فوق المتوسط؟ هذه امثلة على عظم الفرق في متوسط الوفيات بين بعض الحرف على ما في احصاءات بعض شركات التأمين.
وهناك ادلة كثيرة؛ على ان ادوار الحياة بين الاحياء ومنها الانسان تغيرت تغيرا عظيما بالوسائل الصناعية وان ادوار الحياة في بعض الاحياء تزيد كثيرا عما قدر للانسان، فلماذا تعيش السلحفاة (۲۰۰) سنة والانسان (۷۰)؟ ولم تعيش الخلايا الداخلية في بعض الاشجار (۴۰۰) سنَة وفي الانسان اقل من (۱۰۰) سنة؟ وقد يقال جوابا عن هذا: ان الانسان يدفع بذلك ثمن عيشته الحضريّة الراقية وتركيبه الراقي، فالشجرة المشار اليها تمكث في بقعة واحدة فتظهر فيها جميلة ولكن اليس بين الرجال والنساء من لا يصنع اكثر مما تصنع الشجرة وينال اجرا على ذلك؟
وتجارب المختبرات البيولوجية ذات مغزى كبير فقد استطاع بعض العلماء استنبات افخاذ الدعاميص (صغار الضفادع) من اجسادها قبل اوآن خروجها بتغيير مقدار الاوكسجين في الوسط الموجودة فيه وهذا بمثابة تغيير جوهري في دورة حياة الدعاميص. وكذلك تمكن آخرون من اطالة عمر ذبابة الاثمار (۹۰۰) ضعف عمرها الطبيعي بحمايتها من السم والعدوى وتخفيض حرارة الوسط الذي تعيش فيه. وتمكن (كارل) بتجاربه من ابقاء الخلايا في قلب جنين دجاجة حيا مدة سبع عشرة سنة بصيانته من بعض العوامل في المحيط الذي وضع فيه.
واذا نظرنا الى العوامل المتسلطة على دور حياة الانسان، وجدنا انه اذا اخذنا شيئا من المادة المعروفة باسم (كراتن) والمستخرجة من غدة درقية عليلة امكننا اعادتها الى حالتها الطبيعة بحقنها بخلاصة غدة صحيحة، وكثيرا ما انقذ الشخص المشرف على الموت بحقنه بخلاصة الكبد على اثر اشتداد اصابته بالأنيميا الخبيثة، وموته بها لا يختلف في مبدئه عن الموت على اثر الشيخوخة، ويعاد المصاب بالسكر الى حالته الطبيعية بحقنه بخلاصة البنكرياس.
وامتدت ايدي العلماء الى اصل الجرثومة وقد كان يظن انه لا يمكن العبث بها فتمكنوا من تغيير جنس الضفادع والطيور من الذكور والاناث والعكس، ولم يجرّب ذلك بعد في الانسان ولكن مادام هذا المبدأ قد تايد في الحيوان فلا يمنع تأييده في الانسان الا جهلنا لاشياء لا بد ان تبدو لنا في المستقبل انتهى.
وذكر الشيخ طنطاوي الجوهري؛ في الجزء (۱۷) من تفسيره الذي سماه (بالجواهر)، (ص ۲۲۴) في تفسير قوله تعالى (ومن نعمره ننكسه في الخلق) ؛ مقالة نشرتها مجلة (كل شي ء) تحكي عن امكان اطالة العمر وتجديد قوى الشيوخ وان الاستاذ او الدكتور (فورونوف) الذي طار اسمه في كل ناحية لا كطبيب بل كمبشر، بامكان اطالة الاعمار الى ما فوق المائة، وبامكان عود الشباب، وجرب ذلك في الحيوانات، قال: قد عملت الى الآن (۶۰۰) عملية ناجحة واقول الآن عن اقتناع؛ انه لا ينصرم القرن العشرون حتى يمكن تجديد قوى الشيوخ وازالة غبار السنين عن وجوههم الكثيرة الغضون والاسارير واجسامهم المحدوبة الهزيلة، ويمكن ايضا تأخير الشيخوخة ومضاعفة العمر الذي هو الآن (۷۰) سنة على الغالب وسيبقى الدماغ والقلب صحيحين الى الاخير وقد يمكن تغيير الصفات والشخصيات والعادات بهذه الطريقة فتقل الجرائيم وتخلق العبقريات وتفرغ الشخصيات في قوالب على حسب الطلب.
وذكر ايضا عن المجلة المذكورة مقالة اخرى (ص ۲۲۶) وهي هذه: (كم يجب ان نعيش؟ وفوائد اخرى) يقول: (هوفلند) احد العلماء الذين صرفوا عنايتهم الى درس الحياة في كتاب وضعه وجعل عنوانه (فن اطالة العمر): ان المرء يولد مستعدا للحياة قرنين من حيث تركيب بنيته ونظام قواه قياسا على مانراه في الحيوانات اليس الانسان حيوانا مثلها؟ على ان؛ (هوفلند) لم ينفرد في هذا الرأي فكل الذين يدرسون طبائع المخلوقات يرون رأيه ويرون طلائع النور من ابحاثهم بامكان اطالة العمر…. الى ان قال: ويدعم هذا الرأي؛ ما نراه من حياة بعض الناس الذين عاشوا اعمارا طويلة ان؛ (هنري جنسكس) الانجليزي الذي ولد في ولاية (يورك) بانكلترا عاش (۱۶۹ سنة) ولما بلغ سن (۱۱۲) كان يحارب في معركة (فورفيلد)، و (جون بافن) البولندي عاش (۱۷۵ سنة) ورأى بعينه ثلاثة من اولاده يتجاوزون المائة من اعمارهم، ويوحنا (سور تنغتون) النرويجي الذي توفي سنة (۱۷۹۷ م) عاش (۱۶۰ سنة) وكان بين اولاده من هو في المائة وخمس سنوات، و (طوزمابار) عاش (۱۵۲ سنة)، و (كورتوال) ؛ (۱۴۴ سنة)، على ان اكثر من عاش بين البشر حديثا على ما يعرف هو زنجي بلغ (۲۰۰ سنة)، والاحصاءات تدل على ان اعمار الناس اطول في اسوج والنرويج وانكلترا منها في فرنسا وايطاليا وكل جنوب اوربا، كما ان الذين عاشوا هذه الاعمار الطويلة انما عاشوها ببساطة وكانت حياتهم حياة جد وعمل.
لا مشاحة في ان العمل والعادات والاعتدال من العوامل الرئيسة لاطالة العمر فالافراط في كل امر مع الانحراف عن النظام الطبيعي هو سبب تقصير اعمارنا.. الخ. والغرض من ذلك كله ان مسألة طول العمر ليست من المسائل التي وقعت موقع انكار العلماء وارباب المذاهب والاديان بل قرره كل واحد منهم من طريق فنه وعلمه، او من طريق دينه ومذهبه، فكلما كان الانسان بقواعد حفظ صحة البدن اعرف، يكون عمره اطول وكلما كان اسباب تقصير العمر اكثر يكون نصيبه من حياته اقل وعمره اقصر.
قال بعض الاطباء: الموت ينشأ عن المرض لاعن الشيخوخة، والامراض تنشأ من اسباب كثيرة؛ ليس بعضها تحت اختيار الانسان نفسه، كجهل آبائه وامهاته بقواعد حفظ الصحة، وعدم رعايتهم لها، فان لسلامة مزاج الوالدين دخلا عظيما في اعتدال مزاج طفلهما، وهكذا رعايتهما لآداب النكاح وقواعده، وهكذا حسن تربيتهما له، وكسوء البيئة وفساد المحيط وغيرها، وبعضها تحت اختياره فهو متمكن عن ازالته، وذلك مثل الافراط في الاكل والشرب، وعدم الترتيب والنظم الصحيح في الافعال، واعمال الغرائز والقوى، مما يوجب الاختلال في المزاج، ومثل الاخلاق الرذيلة والصفات السيئة والمعتقدات الباطلة فانها تورث الاضطرابات الروحية والابتلاء بالوساوس الخبيثة التي لا تدع نفس الانسان في طمأنينة وسكون، فلو ان انسانا سد هذه الابواب وتسلط على جميع ذلك مما يدخل النقص في بدنه وعمره، واعتدل في مأكله ومشربه وملبسه ومسكنه وغيرها، لما كان لعمره وحياته حد ولا يمتنع بحسب القواعد العلمية بقاؤه ابدا، نعم ثبت باخبار الانبياء ان لا بد لكل نفس ان تذوق الموت، وان كل شي ء فانٍ، واينما تكونوا يدرككم الموت، ولكن هذا لا ينفي تعمير الانسان الوفا من السنين وازيد.
ونختم الكلام في هذا الموضوع، بذكر مقالة نقلت في المهدي وغيره، عن مجلة (المقتطف) في الجزء الثالث من السنة التاسعة والخمسين في ذيل عنوان هل يخلد الانسان في الدنيا؟
وقالت: ما هي الحياة وما هو الموت! وهل قدر الموت على كل حي؟
كل حبة حنطة جسم حي وقد كانت في سنبلة والسنبلة تنبت من حبة اخرى، وهذه من سنبلة، وهلم جرا بالتسلسل، ويسهل استقصاء تاريخ ستة آلاف سنة او اكثر، فقد وجدت حبوبه بين الآثار المصرية والآشورية القديمة دلالة على ان المصريين والآشوريين والاقدمين كانوا يزرعونه و يستغلونه ويصنعون خبزهم من دقيقه، والقمح الموجود الآن لم يخلق من لا شي ء بل هو متسلسل من ذلك القمح القديم، فهو جزء حي من جزء حي، وهلم جرا الى ستة الاف سنة او سبعة بل الى مئات الالوف من السنين وحبوب القمح التي نراها ناشفة لا تتحرك ولا تنمو هي في الحقيقة حية مثل كل حي ولا ينقصها لظهور دلائل الحياة الا قليل من الماء، فحياة القمح متصلة منذ الوف من السنين الى الآن وهذا الحكم يطلق على كل انواع النبات ذوات البذور وذوات الثمار، وماالحيوان بخارج عن هذه القاعدة فان كل واحد من الحشرات والاسماك والطيور والوحوش والدبابات حتى الانسان سيد المخلوقات، كان جزءا صغيرا من والديه فنما وصار مثلهما، وهما من والديهما وهلم جرا، والانسان الذي يخلف نسلا يكون نسله جزأ حيا منه كما ان البذرة جزء من الشجرة- وهذا الجزء الحي تكون فيه جراثيم صغيرة جدا مثل الجراثيم التي كونت اعضاء والديه فتكون اعضاؤه بالغذاء الذي تتناوله وتمثله- فتصير نواة التمر نخلة ذات جذع وسعف وعروق وثمر، وبذرة الزيتون شجرة ذات ساق واغصان وورق وثمر، وقس على ذلك سائر انواع النبات، وكذا بيوض الحشرات والاسماك والطيور والوحوش والدبابات حتى الانسان. وهذا كله من الامور المعروفة التي لا يختلف فيها اثنان، ولكن الشجرة نفسها قد تعمر الف سنة او الفي سنة، والانسان لا يعمر اكثر من سبعين او ثمانين سنة وفي النادر يبلغ مائة سنة، فالجراثيم المعدة لِاخلاف النسل تبقى حية وتنمو كما تقدم ولكن سائر اجزاء الجسم تموت كان الموت مقدر عليه، وقد مرت القرون والناس يحاولون التخلص من الموت او تاخير الآجل، ولاسيما في هذا العصر عصر مقاومة الامراض والآفات بالدواء والوقاية، وقد ثبت على التحقيق ان جماعة عاشوا (۱۲۰ سنة) او اكثر الى (۱۷۰ سنة) في عصرنا.
لكن العلماء الموثوق بعلمهم يقولون: ان كل الانسجة الرئيسية من جسم الحيوان تقبل البقاء الى ما لانهاية، وانه في الامكان ان يبقى الانسان حيا الوفا من السنين اذا لم تعرض عليه عوارض تصرم حبل حياته، وقولهم هذا ليس مجرد ظن بل هو نتيجة عملية مؤيدة بالامتحان.
فقد تمكن احد الجراحين من قطع جزء من حيوان وابقائه حيا اكثر من السنين التي يحياها ذلك الحيوان عادة، اي صارت حياة ذلك الجزء مرتبطة بالغذاء الذي يقدم له بعد السنين التي يحياها فصار في الامكان ان يعيش الى الابد مادام الغذاء اللازم موفورا له.
وهذا الجراح؛ هو الدكتور (الكسي كارل)، من المشتغلين في معهد (ركفلر) بنيويورك، وقد امتحن ذلك في قطعة من جنين الدجاج فبقيت تلك القطعة حية نامية اكثر من ثماني سنوات، وهو وغيره امتحنا قطعا من اعضاء جسم الانسان- من اعضائه وعضلاته وقلبه وجلده وكليتيه- فكانت تبقى حية نامية مادام الغذاء اللازم موفورا لها. حتى قال الاستاذ (ديمند وبرل) من اساتذة جامعة (جونس هيكنس): ان كل الاجزاء الخلوية الرئيسية من جسم الانسان، قد ثبت اما ان
خلودها بالقوة صار امرا مثبتا بالامتحان او مرجحا ترجيحا تاما لطول ماعاشته حتى الان. وهذا القول غاية في الصراحة والاهمية على ما فيه من التحرس العلمي والظاهر ان اول من امتحن ذلك في اجزاء من جسم الحيوان هو الدكتور (جاك لوب) وهو من المشتغلين في معهد (ركفلر) ايضا فانه كان يمتحن توليد الضفادع من بيضها اذا كان غير ملقح فرأى ان بعض البيض يعيش زمانا طويلا وبعضها يموت سريعا فقاده ذلك الى امتحان اجزاء من جسم الضفدع فتمكن من ابقاء هذه الاجزاء حية زمانا طويلا. ثم اثبت الدكتور (ورن لويس) وزوجته؛ انه يمكن وضع اجزاء خلوية من جسم جنين الطائر في سائل ملحي فتبقى حية واذا اضيفت اليه قليلا من بعض المواد الآلية جعلت تلك الاجزاء تنمو وتتكاثر، و توالت التجارب؛ فظهر ان الاجزاء الخلوية من اي حيوان كان، يمكن ان تعيش وتنمو في سائل فيه ما يغذيها ولكن لم يثبت ما ينفي موتها اذا شاخت، فقام الدكتور (كارل)، وجرّب التجارب المشار اليها آنفا فاثبت منها؛ ان هذه الاجزاء لا تشيخ كالحيوان الذي اخذت منه بل تعيش اكثر مما يعيش هو عادة، وقد شرع في التجارب المذكورة في شهر يناير سنة (۱۹۱۲ م)، ولقي عقبات كثيرة في سبيلها فتغلب عليها هو ومساعدوه وثبت له:
اولا: ان هذه الاجزاء الخلوية تبقى حية مالم يعرض لها عارض يميتها، اما من قلة الغذاء، او من دخول بعض الميكروبات.
وثانيا: انها لاتكتفي بالبقاء حية بل تنمو خلاياها وتتكاثر كما لو كانت باقية في جسم الحيوان.
وثالثا: انه يمكن قياس نموها وتكاثرها ومعرفة ارتباطها بالغذاء الذي يقدم لها.
ورابعا: ان لا تأثير للزمن اي انها لا تشيخ اوتضعف بمرور الزمن بل لا يبدو عليها اي اثر للشيخوخة بل تنمو وتتكاثر في هذه السنة كما كانت تنمو وتتكاثر في السنة الماضية وما قبلها من السنين، وتدل الظواهر كلها على انها ستبقى حية نامية مادام الباحثون صابرين على مراقبتها وتقديم الغذاء الكافي لها، فشيخوخة الاحياء ليست سببا بل هي نتيجة.
ولكن لماذا يموت الانسان؟ ولماذا نرى سنيه محدودة لا تتجاوز المائة الا نادرا جدا وغايتها العادية سبعون او ثمانون؟
والجواب: ان اعضاء جسم الحيوان كثيرة مختلفة وهي مرتبطة بعضا ببعض ارتباطا محكما حتى ان حياة بعضها تتوقف على حياة البعض الآخر فاذا ضعف بعضها ومات لسب من الاسباب مات بموته سائر الاعضاء، ناهيك بفتك الامراض الميكروبية المختلفة، وهذا مما يجعل متوسط العمر اقل جدا من السبعين والثمانين لا سيما وان كثيرين يموتون اطفالا، وغاية ما ثبت الآن من التجارب المذكورة؛ ان الانسان لا يموت لانه عمّر كذا من السنين، سبعين او ثمانين اومائة او اكثر، بل لان العوارض تنتاب بعض اعضائه فتتلفها، ولارتباط اعضائه بعضها ببعض تموت كلها، فاذا استطاع العلم ان يزيل هذه العوارض او يمنع فعلها لم يبق مانع يمنع استمرار الحياة مئات من السنين، كما يحيى بعض انواع الاشجار، وقلما ينتظر ان تبلغ العلوم الطبية والوسائل الصحية هذه الغاية القصوى، ولكن لا يبعد ان تدانيها فيتضاعف متوسط العمر او يزيد ضعفين او ثلاثة انتهى.
وان شئت زيادة توضيح على ذلك فراجع كتابنا (الامامة و المهدوية). [۱]
———-
[۱]: منتخب الاثر في الامام الثاني عشر، ج ۲، ص ۲۷۲- ۲۸۲.
[غیبه المنتظر من منتخب الاثر – صفحه۹۰]

Share your thoughts