بعد ما عرفنا صحة هذه الاحاديث ونحن نعيش في عصر غيبتة عليه السلام

فهل ذكرتم ماورد بخصوص الغيبة الكبرى من احاديث؟
الجواب
لقد وردت روايات كثيرة؛ تبين مسئلة غيبة الامام الكبرى، وكشف بعض ملابساتها، و تعتبر هذه المسئلة مورد ابتلاء و تمحيص للشيعة، لذا ذكرها الائمة عليهم السلام؛ حتى تكون شيعتهم على بينة من امرهم، واليك بعضا منها:
۱. كمال الدين [۱]: عن سدير الصيرّفي؛ قال: دخلت انا والمفضل بن عمر وابو بصير، وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبدالله الصادق عليه السلام، فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوّق بلا جيب، مقصّر الكمين، وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه، وشاع التغيير في عارضيه، وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول: سيدي غيبتك نفت رقادي، وضيّقت عليّ مهادي، وابتزّت مني راحة فوادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد، وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحسّ بدمعة ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري، عن دوارج الرزايا، وسوالف البلايا، إلا مثل بعيني عن غوابر أعظمها وأفظعها، وبواقي أشدّها وأنكرها، ونوائب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك.
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعا، من ذلك الخطب الهائل، والحادث الغائل، وظننا أنه سمت لمكروهة قارعة، أوحلت به من الدهر بائقة! فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أية حادثة تستنزف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟ قال: فزفر الصادق عليه السلام زفرةً انتفخ منها جوفه، واشتد عنها خوفه، وقال: ويلكم، نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم، وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا، وعلم ماكان ومايكون إلى يوم القيامة، الذي خص الله به محمدا والأئمة من بعده عليهم السلام، وتأملت منه مولد غائبنا وغيبته وإبطائه، وطول عمره، وبلوى المؤمنين في ذلك الزمان، وتولّد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) – يعني الولاية- فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان، فقلنا: ياابن رسول الله، كرمنا وفضلنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم ذلك؟ قال: إن الله تبارك وتعالى أدار للقائم منّا ثلاثة ادارها في ثلاثة من الرسل عليهم السلام: قدر مولده تقدير مولد موسى عليه السلام، وقدر غيبته تقدير غيبة عيسى عليه السلام، وقدر إبطاءه تقديرابطاء نوح عليه السلام، وجعل له من بعد ذلك عمر العبد الصالح- أعني الخضر عليه السلام- دليلا على عمره، فقلنا له: اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني؟ قال عليه السلام: أما مولد موسى عليه السلام، فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر باحضار الكهنة فدلوه على نسبه، وأنه يكون من بني إسرائيل،
ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود، وتعذر عليه الوصول الى قتل موسى عليه السلام بحفظ الله تبارك وتعالى إياه، وكذلك بنوامية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم وملك الامراء والجبابرة منهم على يد القائم منا ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل الرسول صلى الله عليه وآله [أهل بيت رسول الله- خ، وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم، ويأبى الله عزّ وجلّ أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.
وأما غيبة عيسى عليه السلام، فأن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل؛ فكذبهم الله جل ذكره بقوله: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم)، كذلك غيبة القائم، فإن الامة ستنكرها لطولها، فمن قائل يهذي: بأنه لم يلد، وقائل يقول: أنه يتعدّى إلى ثلاثة عشر وصاعدا، وقائل يعصي الله عزّ وجلّ بقوله: إن روح القائم ينطق في هيكل غيره.
واما إبطاء نوح عليه السلام؛ فانه لما استنزلت العقوبة على قومه من السماء بعث الله عزّ وجلّ الروح الأمين عليه السلام بسبع نويات، فقال: يانبي الله، إن الله تبارك وتعالى يقول لك: ان هؤلاء خلائقي وعبادي، ولست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك، فإني مثيبك عليه، واغرس هذه النوى، فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص، فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين؟ فلما نبتت الأشجار وتأزرت وتسوقت وتغصنت وأثمرت، وزها التمر عليها بعد زمان طويل استنجز من الله سبحانه وتعالى العدة؟ فأمره الله تبارك وتعالى؛ أن يغرس من
نوى تلك الأشجار ويعاود الصبر والاجتهاد، ويؤكد الحجة على قومه؟ فأخبر بذلك الطوائف التي آمنت به، فارتد منهم ثلاثمائة رجل، وقالوا: لوكان ما يدّعيه نوح حقا لما وقع في وعد ربه خلف، ثم إن الله تبارك وتعالى لم يزل يأمره عند كل مرة بأن يغرسها مرة بعد اخرى إلى أن غرسها سبع مرات، فما زالت تلك الطوائف من المؤمنين ترتد منه طائفة بعد طائفة إلى أن عاد إلى نيف وسبعين رجلا، فأوحى الله تبارك وتعالى عند ذلك إليه، وقال: يانوح، الآن أسفر الصبح عن الليل لعينك حين صرح الحق عن محضه، وصفا [الامروالأيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة، فلو أني أهلكت الكفار وأبقيت من قد ارتد من الطوائف التي كانت آمنت بك لما كنت صدقت وعدي السابق للمؤمنين الذين أخلصوا التوحيد من قومك، واعتصموا بحبل نبوتك بأن أستخلفهم في الأرض، وامكن لهم دينهم، وابدل خوفهم بالأمن، لكي تخلص العبادة لي بذهاب الشك من قلوبهم، وكيف يكون الأستخلاف والتمكين وبدل الخوف بالأمن مني لهم مع ماكنت أعلم من ضعف يقين الذين ارتدوا، وخبث طينهم، وسوء سرائرهم التي كانت نتائج النفاق وسنوح الضلالة، فلو أنهم، تسنموا مني الملك الذي أُوتي المؤمنين وقت الاستخلاف إذا أهلكت أعداءهم لنشقوا روائح صفاته، ولاستحكمت سرائر نفاقهم، [و] تأبّدت حبال ضلالة قلوبهم، ولكاشفوا إخوانهم بالعداوة، وحاربوهم على طلب الرئاسة، والتفرد بالأمر والنهي، وكيف يكون التمكين في الدين وانتشار الأمر في المؤمنين مع إثارة الفتن وإيقاع الحروب، كلا (فاصنع الفلك بأعيننا ووحينا)؟ قال الصادق عليه السلام: وكذلك القائم، فإنه تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل
من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والأمن المنتشر في عهد القائم عليه السلام، قال المفضل: فقلت: يا ابن رسول الله، فإن [هذه النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في؛ أبي بكر وعمر وعثمان، وعلي عليه السلام؟ فقال: لايهدي الله قلوب الناصبة، متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكنا بانتشار الأمن في الامة، وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها في عهد واحد من هؤلاء، وفي عهد علي عليه السلام، مع ارتداد المسلمين والفتن التي تثور في أيامهم، والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم؟! ثم تلا الصادق عليه السلام: (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا).
وأماالعبد الصالح- أعني الخضر عليه السلام- فإن الله تبارك وتعالى ماطول عمره لنبوة قدرها له، ولالكتاب ينزله عليه، ولالشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبله من الأنبياء، ولالإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولالطاعة يفرضها له، بلى؛ أن الله تبارك وتعالى لما كان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم عليه السلام في أيام غيبته ما يقدر، وعلم ما يكون من إنكار عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طوّل عمر العبد الصالح في غير سبب يوجب ذلك، إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم عليه السلام، وليقطع بذلك حجة المعاندين، لئلا يكون للناس على الله حجة.
۲. اثبات الهداة [۱]: عن الحسن بن علي بن فضال، قال: سمعت أبا الحسن علي
بن موسى الرضا عليهم السلام يقول: إن الخضر عليه السلام؛ شرب من ماء الحياة، فهو حي لايموت حتى ينفخ في الصور، وانه ليأتينا [ليلقانا- خ فيسلم، فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وإنه ليحضر حيث ماذكر، فمن ذكره منكم فليسلم عليه، وانه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك، ويقف بعرفة فيؤمن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته.
۳. علل الشرايع [۱]: عن حنان بن سدير عن ابيه عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له: ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: إن الله عزّ وجلّ ابى الا أن يجري فيه سنن الأنبياء عليهم السلام في غيباتهم، وأنه لا بد له ياسدير؛ من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله عزّ وجلّ: (لتركبن طبقا عن طبق) أي سننا على سنن من كان قبلكم.
۴. غيبة النعماني [۲]: عن ابي عبدالله جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام، قال: زاد الفرات على عهد أميرالمؤمنين عليه السلام، فركب هو وابناه الحسن والحسين عليهما السلام فمر بثقيف، فقالوا: قد جاء علي يرد الماء، فقال علي عليه السلام: أماوالله لاقتلن أنا وابناي هذان، وليبعثن الله رجلا من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا، وليغيبن عنهم تمييزا لأهل الضلالة، حتى يقول الجاهل: مالله في آل محمد من حاجة.
۵. تاريخ قم [۳]: عن ابي الاكراد علي بن ميمون الصائغ، عن ابي عبدالله عليه السلام
قال: إن الله احتج بالكوفة على سائر البلاد، وبالمؤمنين من أهلها على غيرهم من أهل البلاد، واحتج ببلدة قم على سائر البلاد، وبأهلها على جميع أهل المشرق والمغرب من الجن والإنس، ولم يدع الله قم وأهله مستضعفا بل وفقهم وأيدهم، ثم قال: إن الدين وأهله بقم ذليل، ولولا ذلك لأسرع الناس إليه فخرب قم وبطل أهله، فلم يكن حجة على سائر البلاد، وإذا كان كذلك لم تستقر السماء والارض، ولم يُنظروا طرفة عين، وان البلايا مدفوعة عن قم وأهله، وسيأتي زمان تكون بلدة قم واهلها حجة على الخلائق، وذلك في زمان غيبة قائمنا عليه السلام إلى ظهوره، ولولا ذلك لساخت الأرض بأهلها، وان الملائكة لتدفع البلايا عن قم وأهله، وما قصده جبار بسوء إلا قصمه قاصم الجبارين، وشغله عنهم بداهية أو مصيبة أوعدو، وينسي الجبارين في دولتهم ذكر قم كما نسوا ذكرالله.
وفي هذا المعنى يوجد ۱۰۰ حديث. [۱]
———-
[۱]: للشيخ الصدوق، ج ۲، ص ۳۵۲، ب ۳۳، ح ۵۰.

[۱]: للشيخ الحر العاملي، ج ۳، ص ۴۸۰، ب ۳۲، ف ۵، ح ۱۸۱، مختصرا.

[۱]: للشيخ الصدوق، ج ۱، ص ۲۴۵، ب ۱۷۹، ح ۷.
[۲]: للشيخ النعماني، ص ۱۴۰، ب ۱۰، ح ۱.
[۳]: للحسن بن محمد بن الحسن القمي. عن البحار: ج ۵۷، ص ۲۱۲، ب ۳۶، ح ۲۲.
[۱]: راجع منتخب الاثر، ج ۲، ص ۲۴۲- ۲۶۰.
[غیبه المنتظر من منتخب الاثر – صفحه۷۳]

Share your thoughts