لقد ذكرتم ان هناك علة وحكمة في الغيبة الكبرى للامام المهدي عليه السلام، فهل هناك حكمة وعلة ايضا في غيبته الصغرى؟
الجواب
لقد مرّ عليك فيما سبق من الروايات ان ولادته كانت بالخفاء وكذا حياته زمن أبيه ولعل غيبته هي منذ ولادته لابعد وفاة ابيه عليه السلام، ولقد مر عليك سابقا مايدل على سبب غيبته كخوف القتل لذا كانت ولادته بالخفاء.
ونحن نضيف هنا غير ذلك مما يدل على علة غيبته بشكل مختصر:
۱. كمال الدين [۱]: عن السياري، قال: حدثتني نسيم وماريه قالتا: انه لما سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن امه جاثيا على ركبتيه، رافعا سبابتيه الى السماء ثم عطس فقال: الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة؛ ان حجة الله داحضة، لو اذن لنا في الكلام لزال الشك. [۲]
۲. البحار [۳]: انه خرج من ابي محمد عليه السلام توقيع: زعموا انهم يريدون قتلي ليقطعوا هذا النسل وقد كذب الله عزّ وجلّ قولهم والحمدلله.
فالمقصود بالقتل والقضاء على الامام ابي محمد عليه السلام، اولا وآخرا
هو؛ القضاء على الحجة عليه السلام. [۱]
۳. اثبات الهداة [۲]: قال حدثنا الحسن بن المنذر عن حمزة بن ابي الفتح قال: جاءني يوما فقال لي: البشارة ولد البارحة مولود لابي محمد عليه السلام وأمر بكتمانه. [۳]
۴. كمال الدين [۴]: عن احمد بن الحسن بن اسحاق القمي قال: لما ولد الخلف الصالح عليه السلام، ورد عن مولانا ابي محمد الحسن بن علي عليهما السلام؛ الى جدي احمد بن اسحاق، كتاب فاذا فيه مكتوب بخط يده عليه السلام الذي كان ترد به التوقيعات عليه، وفيه؛ ولد لنا مولود فليكن عندك مستورا وعن جميع الناس مكتوما فانا لم نظهرعليه الا الاقرب لقرابته والولي لولايته، احببنا اعلامك ليسرك الله به مثل ما سرنا به والسلام.
۵. ينابيع المودة [۵]: وحدث ابو الاديان؛ قال: كنت اخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، واحمل كتبه الى الامصار، فدخلت عليه في علته التي توفي فيها، (صلوات الله عليه)، فكتب معي كتبا، وقال: امض بها الى المدائن، فانك ستغيب خمسه عشر يوما وتدخل الى سر من راى يوم الخامس عشر،
وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل. قال ابو الاديان؛ فقلت: ياسيدي فاذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي. فقلت: زدني؟ فقال: من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني؟ فقال: من اخبر بما في الهميان فهوالقائم بعدي، ثم منعتني هيبته ان اساله عما في الهميان، وخرجت بالكتب الى المدائن، واخذت جواباتها ودخلت سر من راى يوم الخامس عشر، كما ذكر لي عليه السلام، فاذا انا بالواعية في داره، واذا به على المغتسل، واذا انا بجعفر بن علي، اخيه بباب الدار، والشيعة من حوله يعزونه ويهنّونه، فقلت؛ في نفسي: ان يكن هذا الامام فقد بطلت الامامة! لاني كنت اعرفه، يشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فقدمت؛ فعزيت وهنيت، فلم يسالني عن شى ء، ثم خرج عقيد، فقال: ياسيدي قد كفن اخوك فقم وصل عليه؟ فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم؛ السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة، فلما صرنا في الدار، اذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه، على نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على اخيه، فلما هم بالتكبير، خرج صبي بوجهه سمرة، بشعره قطط، باسنانه تفليج، فجذب برداء جعفر بن علي، وقال: تاخر ياعم! فانا احق بالصلاة على ابي؟ فتاخر جعفر وقد اربد وجهه واصفر، فتقدم الصبي وصلى عليه، ودفن الى جانب قبر ابيه عليهماالسلام ثم قال: يابصري هات جوابات الكتب التي معك؟ فدفعتها اليه، فقلت في نفسي: هذه بينتان، بقي الهميان، ثم خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر! فقال له حاجز الوشاء: ياسيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه؟ فقال: والله ما رايته قط، ولا اعرفه. فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم، فسالوا؛ عن الحسن بن علي
عليهما السلام؟ فعرفوا موته، فقالوا: فمن (نعزّي)؟ فاشارالناس؛ الى جعفر بن علي؟ فسلموا عليه وعزوه وهنوه وقالوا: ان معنا كتبا ومالا، فتقول؛ ممن الكتب وكم المال؟ فقام ينفض اثوابه ويقول: تريدون منا ان نعلم الغيب! قال؛ فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان (وفلان) وهميان فيه الف دينار وعشرة دنانير منها مطلية! فدفعوا اليه الكتب والمال وقالوا: الذي وجه بك لاخذ ذلك هو الامام!؟ فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي؟ فنكرته وادعت حبلا بها لتغطي حال الصبي، فسلمت الى ابي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيدالله بن يحيى بن خاقان فجأة، وخروج صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن ايديهم والحمدلله رب العالمين.
وهذه الروايات دلت بالمطابقة او الالتزام؛ على ان الامام الحجة عليه السلام كان معرضا للقتل لذا كان من الحكمة ان يختفي عن الانظار.
ونضيف على ذلك؛ ما سطره يراع استاذنا المفدى آية الله العظمى؛ الشيخ صافي الگلپايگاني دام ظله:
ويمكن ان يكون السرّ في وقوع الغيبة الصغرى: عدم انس الشيعة بالغيبة التامة، فوقعت الغيبة الصغرى قبل الغيبة الكبرى لئلا يستوحشوا منها اذا وقعت، بل الناظر في التواريخ يرى انهم عليهم السلام؛ كانوا يعودون الشيعة باختفاء الامام عن نظر الرعية في الجملة من زمان الامام ابي الحسن علي بن محمد الهادي عليهما السلام، ذكر ذلك المسعودي، المؤرخ الكبير في (اثبات الوصية)، قال: وروي؛ ان ابا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة الا عدد يسير
من خواصه، فلما افضى الامر الى ابي محمد، كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم وراء الستر، الا في الاوقات التي يركب فيها الى دار السلطان، وان ذلك انما كان منه ومن ابيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان، لتالف الشيعة ذلك ولاتنكر الغيبة، وتجري العادة بالاحتجاب والاستتار. [۱]
———-
[۱]: لأبي جعفر الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ۴۳۰- ب ۴۲، ح ۵.
[۲]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۳۹۷.
[۳]: للعلامة المجلسي، ج ۵۱، ص ۱۶۰، ب ۹، ح ۸.
[۱]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۳۹۹.
[۲]: للشيخ الحرّ العاملي، ج ۳، ص ۴۸۴، ب ۳۲، ح ۱۹۹.
[۳]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۴۰۲.
[۴]: لابي جعفر الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ۴۳۳، ب ۴۲، ح ۱۶.
[۵]: للشيخ سليمان البلخي القندوزي، ص ۴۶۱، ب ۸۲.
[۱]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۴۳۹.
[غیبه المنتظر من منتخب الاثر – صفحه۱۲۴]