تتقارن النبوة وكذا الامامة عادة بالمعجزات فهل كان للامام الحجة عليه السلام معجزات ايضا؟
الجواب
لقد ذكر التاريخ والرواة معجزات كثيرة للامام الحجة عليه السلام كاجداده الطاهرين، فانه عليه السلام رويت عنه عدة روايات تشير الى معجزاته، ونحن هنا نشير الى معجزاته زمن ابيه عليهما السلام، بما يتناسب وهذا المختصر:
۱. غيبة الشيخ [۱]: عن ابي نعيم محمد بن احمد الانصاري، قال: وجه قوم من المفوضة و المقصّرة كامل بن ابراهيم المدني الى ابي محمد عليه السلام قال كامل؛ فقلت في نفسي: اساله لا يدخل الجنة الا من عرف معرفتي وقال بمقالتي؟ قال؛ فلما دخلت على سيدي ابي محمد نظرت الى ثياب بياض ناعمة عليه، فقلت في نفسي: وليّ الله و حجته يلبس الناعم من الثياب ويامرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله! فقال متبسّما: ياكامل! وحسر عن ذراعيه فاذا مسحٌ اسود خشن على جلده فقال: هذا لله وهذا لكم. فسلمت وجلست الى باب عليه ستر مرخى فجاءت الريح فكشف طرفه، فاذا انا بفتى كانه فلقة قمر من ابناء اربع سنين اومثلها، فقال لي: ياكامل بن ابراهيم! فاقشعررت من ذلك والهمت ان قلت: لبيك ياسيدي؟ فقال: جئت الى وليّ الله وحجّته وبابه، تساله؛ هل يدخل
الجنة الا من عرف معرفتك وقال بمقالتك؟ فقلت: اي والله، قال: اذن والله يقلّ داخلها، والله؛ انّه ليدخلها قوم يقال لهم؛ الحقيّة، قلت: ياسيدي ومن هم؟ قال: قوم من حبّهم لعليّ يحلفون بحقه ولايدرون ماحقه وفضله، ثم سكت صلوات الله عليه عنّي ساعة ثم قال: وجئت تساله عن مقالة المفوّضة؛ كذبوا بل قلوبنا اوعية لمشيّة الله فاذا شاء شئنا، والله يقول (وما تشاؤون الا ان يشاء الله)، ثم رجع الستر الى حالته فلم استطع كشفه فنظر اليّ ابومحمد عليه السلام متبسّما فقال: ياكامل! ما جلوسك وقد انباك بحاجتك الحجّة من بعدي، فقمت وخرجت ولم اعاينه بعد ذلك.
۲. كمال الدين [۱]: عن سعد بن عبدالله القمي؛ قال: كنت امرءً لهجاً بجمع الكتب المشتملة على غوامض العلوم ودقائقها، كلفاً باستظهار ما يصحّ لي من حقائقها مغرما بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحاً على ما اضفر به من معضلاتها ومشكلاتها، متعصباً لمذهب الامامية، راغبا عن الامن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم والتعدي الى التباغض والتشاتم، معيبا للفرق ذوي الخلاف، كاشفا عن مثالب ائمتهم، هتاكا لحجب قادتهم، الى ان بُليت باشد النواصب منازعة واطولهم مخاصمة واكثرهم جدلا واشنعهم سؤالا واثبتهم على الباطل قدما، فقال ذات يوم- وانا اناظره-: تبا لك ولاصحابك يا سعد! انكم معاشر الرافضة تقصدون على المهاجرين بالطعن عليهما، وتجحدون من رسول الله ولايتهما وامامتهما، هذا الصدّيق الذي فاق جميع الصحابة بشرف سابقته، اما
علمتم ان رسول الله ما اخرجه مع نفسه الى الغار الا علما منه انّ الخلافة له من بعده، وانه هو المقلّد لامر التأويل والملقى اليه ازمة الامة وعليه المعوّل في شعب الصدع ولمّ الشعث وسدّ الخلل واقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الشرك، وكما اشفق على نبوّته اشفق على خلافته، اذ ليس من حكم الاستتار والتواري؛ ان يروم الهارب من الشرّ مساعدة الى مكان يستخفي فيه، ولما رأينا النبيّ متوجّها الى الانجحار ولم تكن الحال توجب استدعاء المساعدة من احد استبان لنا قصد رسول الله بابي بكر للغار للعلة التي شرحناها، وانما ابات عليا على فراشه، لما لم يكن يكترث به ولم يحفل به لاستثقاله، ولعلمه؛ بانه ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه، للخطوب التي كان يصلح لها؟
قال سعد: فاوردت عليه اجوبة شتى، فما زال يعقّب كلّ واحد منها بالنقض والردّ عليّ، ثم قال: يا سعد! ودونكها اخرى بمثلها تخطم انوف الروافض؛ الستم تزعمون ان الصديق المبرأ من دنس الشكوك والفاروق المحامي عن بيضة الاسلام كانا يسران النفاق، واستدللتم بليلة العقبة! اخبرني عن الصديق والفاروق اسلما طوعا او كرها؟ قال سعد: فاحتلت لدفع هذه المسألة عني خوفا من الالزام وحذرا من اني ان اقررت له بطوعهما للاسلام احتج بان بدء النفاق ونشأه في القلب لا يكون الا عند هبوب روائح القهر والغلبة واظهار البأس الشديد في حمل المرء على من ليس ينقاد اليه قلبه نحو قول الله تعالى: (فلما رأوا باسنا قالوا امنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم ايمانهم لما رأوا بأسنا)، وان قلتُ: اسلما كرها كان يقصدني بالطعن اذ لم تكن ثمة سيوف منتضاة كانت تريهما البأس.
قال سعد: فصدرت عنه مزورّا قد انتفخت احشائي من الغضب وتقطع كبدي من الكرب وكنت قد اتخذت طومارا واثبت فيه نيفا واربعين مسألة من صعاب المسائل لم اجد لها مجيبا، على ان اسأل عنها خبير اهل بلدي احمد بن اسحاق، صاحب مولانا ابي محمد عليه السلام فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصدا نحو مولانا بسر من رأى فلحقته في بعض المنازل فلما تصافحنا قال بخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق ثم العادة في الاسئلة، قال: قد تكافينا على هذه الخطة الواحدة، فقد برّح بي القرم الى لقاء مولانا ابي محمد عليه السلام، وانا اريد ان اسأله؛ عن معاضل في التأويل، ومشاكل في التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة فانها تقف بك على ضفة بحر لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه وهو امامنا.
فوردنا سر من رأى، فانتهينا منها الى باب سيدنا فاستأذنا؟ فخرج علينا الاذن؛ بالدخول عليه، وكان على عاتق احمد بن اسحاق جراب قد غطاه بكساء طبري فيه؛ مائة وستون صرّة من الدنانير والدراهم، على كل صرّة منها ختم صاحبها، قال سعد: فما شبّهت وجه مولانا ابي محمد عليه السلام! حين غشينا نور وجهه، الا ببدر قد استوفي من لياليه اربعا بعد عشر، وعلى فخذه الايمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، على رأسه فرق بين وفرتين، كانّه الف بين واوين، وبين يدي مولانا رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان اهداها اليه بعض رؤساء اهل البصرة، وبيده قلمّ اذ اراد ان يسطر به على البياض شيئا قبض الغلام على اصابعه فكان مولانا يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها كيلا يصده عن كتابة ما اراد، فسلمنا عليه؟ فالطف في الجواب، واومأ الينا بالجلوس؟ فلما فرغ من كتبه البياض الذي كان بيده، اخرج
احمد بن اسحاق جرابه من طي كسائه، فوضعه بين يديه فنظر الهادي عليه السلام [۱] الى الغلام وقال له يابني: فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك؟ فقال: يا مولاي! ايجوز ان امد يدا طاهرة الى هدايا نجسة واموال رجسة قد شيب احلّها باحرمها؟ فقال مولاي: يا ابن اسحاق استخرج ما في الجراب ليميّز ما بين الحلال والحرام منها؟ فاول صرة بدأ احمد باخراجها قال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم يشتمل على اثنين وستين دينارا فيها من ثمن حجيرة باعها صاحبها وكانت ارثا له عن ابيه خمسة واربعون دينارا ومن اثمان تسعة اثواب اربعة عشر دينارا وفيها من اجرة الحوانيت ثلاثة دنانير. فقال مولانا: صدقت يا بني! دلّ الرجل على الحرام منها؟ فقال عليه السلام: فتش عن دينار رازي السكة، تاريخه سنة كذا، قد انطمس من نصف احدى صفحتيه نقشه وقراضة آمليّة وزنها ربع دينار، والعلة في تحريمها؛ ان صاحب هذه الصرّة وزن في شهر كذا من سنة كذا على حائك من جيرانه من الغزل منّا وربع منّ، فأتت على ذلك مدة، وفي انتهائها قيّض لذلك الغزل سارق فاخبر به الحائك صاحبه فكذبه واسترد منه بدل ذلك منّا ونصف منّ غزلا ادق مما كان دفعه اليه واتخذ من ذلك ثوبا كان هذا الدينار مع القراضة ثمنه. فلما فتح رأس الصرّة صادف رقعة في وسط الدنانير باسم من اخبر عنه وبمقدارها على حسب ماقال، واستخرج الدينار والقراضة بتلك العلامة.
ثم اخرج صرّة اخرى، فقال الغلام: هذه لفلان بن فلان من محلة كذا بقم
تشتمل على خمسين دينارا لا يحل لنا لمسها! قال وكيف ذاك؟ قال لانها من ثمن حنطة حاف صاحبها على اكاره في المقاسمة وذلك انه قبض حصته منها بكيل واف وكان ما خص الاكار بكيل بخس. فقال مولانا: صدقت يا بني! ثم قال: يا احمد بن اسحاق احملها باجمعها لتردّها او توصي بردها على اربابها فلاحاجة لنا في شي ء منها وائتنا بثوب العجوز؟ قال احمد: وكان ذلك الثوب في حقيبة لي فنسيته.
فلما انصرف احمد بن اسحاق ليأتيه بالثوب نظر اليّ مولانا ابو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوّقني احمد بن اسحاق على لقاء مولانا، قال: والمسائل التي اردت ان تسأله عنها؟ قلت: على حالها يا مولاي! قال: فسل قرّة عيني- واوما الى الغلام-؟! فقال لي الغلام: سل عما بدا لك منها؟ فقلت له: مولانا وابن مولانا؛ انا روينا عنكم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل طلاق نسائه بيد امير المؤمنين عليه السلام حتى ارسل يوم الجمل الى عائشة: انك قد ارهجت على الاسلام واهله بفتنتك واوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك فان كففت عني غربك والا طلقتك ونساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كان طلاقهن وفاته. قال: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل، قال: فإذا كان طلاقهن وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خلّيت لهنّ السبيل! فلم لا يحل لهن الازواج؟ قلت: لان الله تبارك وتعالى حرم الازواج عليهن، قال: كيف وقد خلى الموت سبيلهنّ؟ قلت: فاخبرني يا ابن مولاي عن معنى الطلاق الذي فوّض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكمه الى امير المؤمنين عليه السلام؟ قال: ان الله تقدّس اسمه عظّم شأن نساء النبي صلى الله عيله وآله وسلم، فخصهن بشرف الامهات، فقال رسول
الله: يا ابا الحسن! ان هذا الشرف باق لهن مادمن لله على الطاعة فايتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فاطلق لها في الازواج واسقطها من شرف امومة المؤمنين؟.
قلت: فاخبرني عن الفاحشة المبينة التي اذا اتت المرأة بها في عدتها حل للزوج ان يخرجها من بيته؟ قال: الفاحشة المبينة هي السحق دون الزنا، فان المرأة اذا زنت واقيم عليها الحد ليس لمن ارادها ان يمتنع بعد ذلك التزوج بها لاجل الحد واذا سحقت وجب عليها الرجم، والرجم خزي ومن قد امرالله برجمه فقد اخزاه، ومن اخزاه فقد ابعده ومن ابعده فليس لاحد ان يقربه.
قلت: فاخبرني يا ابن رسول الله عن امرالله لنبيه موسى عليه السلام (فاخلع نعليك انك بالواد المقدس طوى)، فان فقهاء الفريقين؛ يزعمون انها كانت من اهاب الميتة؟ فقال عليه السلام: من قال ذلك فقد افترى على موسى واستجهله في نبوته، لانه ما خلا الامر فيها من خطيئتين؛ اما ان تكون صلاة موسى فيهما جائزة، او غير جائزة! فان كانت صلاته جائزة؟ جاز له لبسهما في تلك البقعة، وان كانت مقدسة مطهرة؟ فليس باقدس واطهر من الصلاة، وان كانت صلاته غير جائزة فيهما؟ فقد اوجب على موسى انه لم يعرف الحلال من الحرام وماعلم ما تجوز فيه الصلاة وما لم تجز وهذا كفر.
قلت: فاخبرني يا مولاي عن التأويل فيهما؟ قال: ان موسى ناجى ربه بالواد المقدس، فقال: يارب اني قد اخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك- وكان شديد الحب لاهله- فقال الله تعالى: (اخلع نعليك) اي انزع حب اهلك من قلبك، ان كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل الى من سواي مغسولا.
قلت: فاخبرني يا ابن رسول الله عن تأويل (كهيعص)؟ قال: هذه الحروف من انباء الغيب اطلع الله عليها عبده زكريا، ثم قصّها على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وذلك؛ ان زكريا سأل ربه؛ ان يعلمه اسماء الخمسة فاهبط عليه جبرئيل، فعلمه اياها، فكان زكريا اذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن والحسين، سري عنه همه وانجلى كربه، واذا ذكر الحسين، خنقته العبرة، ووقعت عليه البهرة! فقال ذات يوم: يا الهي مابالي اذا ذكرت اربعا منهم تسليت باسمائهم من همومي! واذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي!؟ فأنبأه الله تعالى عن قصته، وقال: (كهيعص) فالكاف؛ اسم كربلاء، والهاء؛ هلاك العترة، والياء؛ يزيد وهو ظالم الحسين عليه السلام، والعين؛ عطشه، والصاد؛ صبره، فلما سمع ذلك زكريا؛ لم يفارق مسجده ثلاثة ايام، ومنع فيها الناس من الدخول عليه، واقبل على البكاء والنحيب وكانت ندبته: الهي اتفجع خير خلقك بولده؟ الهي اتنزل بلوى هذه الرزية بفنائه؟ الهي اتلبس عليا وفاطمة ثياب هذه المصيبة؟ الهي اتحل كربة هذه الفجيعة بساحتهما؟! ثم كان يقول: اللهم ارزقني ولدا تقرّ به عيني على الكبر واجعله وارثا وصيّا واجعل محله مني محل الحسين، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ثم فجّعني به كما تفجّع محمّدا حبيبك بولده؟ فرزقه الله يحيى وفجّعه به، وكان حمل يحيى ستة اشهر، وحمل الحسين عليه السلام كذلك، وله قصة طويلة.
قلت: فاخبرني يا مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار امام لانفسهم؟ قال: مصلح او مفسد؟ قلت: مصلح، قال: فهل يجوز ان تقع خيرتهم على المفسد بعد ان لا يعلم احد ما يخطر ببال غيره من صلاح او فساد؟ قلت: بلى، قال: فهي العلة واوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك؛ اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم
الله تعالى وانزل عليهم الكتاب وايدهم بالوحي والعصمة اذ هم اعلام الامم واهدى الى الاختيار منهم مثل موسى وعيسى عليهما السلام هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما اذا همّا بالاختيار ان يقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان انه مؤمن؟ قلت: لا، فقال: هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من اعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلا ممن لايشك في ايمانهم واخلاصهم فوقعت خيرته على المنافقين! قال الله تعالى: (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا- الى قوله- لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فاخذتهم الصاعقة بظلمهم)، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعا على الافسد دون الاصلح، وهو يظن انه الاصلح دون الافسد، علمنا ان لا اختيارالا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر وتتصرف عليه السرائر، وان لا خطر لاختيار المهاجرين والانصار بعد وقوع خيرة الانبياء على ذوي الفساد لما ارادوا اهل الصلاح.
ثم قال مولانا: ياسعد! وحين ادعى خصمك ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما اخرج مع نفسه مختار هذه الامة الى الغار، الا علما منه؛ ان الخلافة له من بعده وانه هو المقلد امور التأويل والملقى اليه ازمة الامة وعليه المعول في لم الشعث وسدّ الخلل واقامة الحدود وتسريب الجيوش لفتح بلاد الكفر، فكما اشفق على نبوته اشفق على خلافته، إذ لم يكن من حكم الاستتار والتواري ان يروم الهارب من الشر مساعدة من غيره الى مكان يستخفي فيه، وانما ابات عليا على فراشه، لما لم يكن يكترث له ولم يحفل به لاستثقاله اياه، وعلمه انه؛ ان قتل لم يتعذر عليه نصب غيره مكانه للخطوب التي كان يصلح لها! فهلا نقضت عليه
دعواه بقولك: اليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الخلافة بعدي ثلاثون سنة! فجعل هذه موقوفة على اعمار الاربعة الذين هم الخلفاء الراشدون في مذهبكم، فكان لا يجد بدا من قوله لك: بلى، قلتَ: فكيف تقول حينئذ؟ اليس كما علم رسول الله ان الخلافة من بعده لابي بكر، علم انها من بعد ابي بكر لعمر، ومن بعد عمر لعثمان، ومن بعد عثمان لعلي؟ فكان ايضا لا يجد بدا من قوله لك: نعم، ثم كنت تقول له: فكان الواجب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ ان يخرجهم جيمعا الى الغار ويشفق عليهم كما اشفق على ابي بكر ولايستخف بقدر هؤلاء الثلاثة بتركه اياهم وتخصيصه ابابكر اخراجه مع نفسه دونهم.
ولّما قال: اخبرني عن الصديق والفاروق اسلما طوعا او كرها؟ لمَ لم تقل له: بل اسلما طمعا وذلك؛ بانهما كانا يجالسان اليهود ويستخبرانهم عما كانوا يجدون في التوراة وفي سائر الكتب المتقدمة الناطقة بالملاحم، من حال الى حال، من قصة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ومن عواقب امره، فكانت اليهود تذكر؛ ان محمد يسلط على العرب، كما كان بختنصر سلط على بني اسرائيل، ولا بد له من الظفر بالعرب ما ظفر بختنصر ببني اسرائيل، غير انه كاذب في دعواه انه نبي! فأتيا محمدا فساعداه على شهادة؛ ان لا اله الا الله، وبايعاه طمعا في ان ينال كل واحد منهما من جهته ولاية بلد اذا استقامت اموره واستتبت احواله، فلما ايسا من ذلك تلثما وصعدا العقبة مع عدة من امثالهما من المنافقين على ان يقتلوه، فدفع الله تعالى كيدهم وردهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، كما اتى طلحة والزبير عليا عليه السلام فبايعاه وطمع كل واحد منهما ان ينال من جهته ولاية بلد فلما ايسا نكثا بيعته وخرجا عليه فصرع الله كل واحد منهما مصرع اشباههما من الناكثين.
قال سعد: ثم قام مولانا الحسن بن علي الهادي عليه السلام للصلاة مع الغلام فانصرفت عنهما وطلبت اثر احمد بن اسحاق فاستقبلني باكيا، فقلت ما ابطأك وابكاك؟ قال: قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي احضاره! قلت: لاعليك فاخبره؟ فدخل عليه مسرعا، وانصرف من عنده متبسما! وهو يصلي على محمد وآل محمد، فقلت ما الخبر؟ قال: وجدت الثوب مبسوطا تحت قدمي مولانا يصلي عليه.
قال سعد: فحمدنا الله تعالى على ذلك، وجعلنا نختلف بعد ذلك اليوم الى منزل مولانا اياما، فلانرى الغلام بين يديه! فلما كان يوم الوداع، دخلت انا واحمد بن اسحاق وكهلان من اهل بلدنا، وانتصب احمد بن اسحاق بين يديه قائما، وقال: يا ابن رسول الله! قد دنت الرحلة واشتدت المحنة، فنحن نسأل الله تعالى؛ ان يصلي على المصطفى جدك وعلى المرتضى ابيك وعلى سيدة النساء امك وعلى سيدي شباب اهل الجنة عمك وابيك وعلى الائمة الطاهرين من بعدهما آبائك، وان يصلي عليك وعلى ولدك، ونرغب الى الله؛ ان يعلي كعبك ويكبت عدوك، ولاجعل الله هذا اخر عهدنا من لقائك؟ قال: فلما قال هذه الكلمات، استعبر مولانا حتى استهلت دموعه وتقاطرت عبراته! ثم قال: يا ابن اسحاق! لا تكلف في دعائك شططا، فانك ملاق الله تعالى في صدرك هذا، فخرّ احمد مغشياعليه! فلما افاق، قال: سألتك بالله وبحرمة جدك الا شرفتني بخرقة اجعلها كفنا؟ فادخل مولانا يده تحت البساط فاخرج ثلاثة عشر درهما، فقال: خذها ولا تنفق على نفسك غيرها فانك لن تعدم ما سألت، وان الله تبارك وتعالى لن يضيع اجر من احسن عملا.
قال سعد: فلما انصرفنا بعد منصرفنا من حضرة مولانا من حُلوان على ثلاثة فراسخ، حُمّ احمد بن اسحاق وثارت به علة صعبة ايس من حياته فيها، فلما وردنا حلوان ونزلنا في بعض الخانات دعا احمد بن اسحاق برجل من اهل بلده كان قاطنا بها، ثم قال: تفرقوا عني هذه الليلة واتركوني وحدي فانصرفنا عنه ورجع كل واحد منا الى مرقده.
قال سعد: فلما حان ان ينكشف الليل عن الصبح اصابتني فكرة ففتحت عيني فإذا انا بكافور الخادم، خادم مولانا ابي محمد عليه السلام وهو يقول: احسن الله بالخيرعزاكم وجبر بالمحبوب رزيتكم، قد فرغنا من غسل صاحبكم ومن تكفينه فقوموا لدفنه فانه من اكرمكم محلا عند سيدكم؟ ثم غاب عن ايعننا فاجتمعنا على رأسه بالبكاء والعويل حتى قضينا حقه وفرغنا من امره رحمه الله.
۳. كتاب الغيبة [۱]: حدثنا ابراهيم بن محمد بن فارس النيسابوري؛ قال: لما همّ الوالي عمرو بن عوف بقتلي وهو رجل شديد النصب، وكان مولعا بقتل الشيعة فاخبرت بذلك، وغلب عليّ خوف عظيم فودّعت اهلي واحبائي وتوجهت الى دار؛ ابي محمد عليه السلام لاودعه وكنت اردت الهرب، فلما دخلت عليه رايت غلاما جالسا في جنبه وكان وجهه مضيئا كالقمر ليلة البدر فتحيرت من نوره وضيائه وكاد ان ينسيني ماكنت فيه من الخوف والهرب! فقال: يا ابراهيم! لا تهرب فان الله تبارك وتعالى سيكفيك شره، فازداد بحيرتي، فقلت: لابي محمّد عليه السلام: ياسيدي! جعلني الله فداك من هو فقد اخبرني عمّا كان في ضميري؟
فقال: هو ابني وخليفتي من بعدي وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الارض جورا وظلما، فيملاها عدلا وقسطا، فسالته؛ عن اسمه؟ قال: هو سميّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنيه، ولا يحل لا حد ان يسميه باسمه او يكنيه بكنيته الى ان يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم؛ يا ابراهيم ما رايت وسمعت منا اليوم الا عن اهله؟ فصليت عليهما وآبائهما، وخرجت مستظهرا بفضل الله تعالى، واثقا بما سمعته من الصاحب عليه السلام فبشرني عمّي علي بن فارس؛ بانّ المعتمد قد ارسل ابا احمد اخاه وامره بقتل عمرو بن عوف، فاخذه ابو احمد في ذلك اليوم وقطعه عضوا عضوا، والحمدلله رب العالمين. [۱]
۴. كمال الدين [۲]: عن السيّاري؛ قال: حدثتني نسيم ومارية قالتا: انه لما سقط صاحب الزمان عليه السلام من بطن امه جاثيا على ركبتيه رافعا سبابتيه الى السماء ثم عطس؛ فقال: الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله، زعمت الظلمة ان حجة الله داحضة، لو اذن لنا في الكلام لزال الشك [۳] .
۵. اثباة الهداة [۴]: عن غياث بن اسيد قال: شهدت محمد بن عثمان العمرى- قدس الله روحه- يقول لما ولد الخلف المهدي عليه السلام سطع نور من فوق راسه الى اعنان السماء! ثم سقط لوجهه ساجدا لربه تعالى ذكره ثم رفع راسه وهو يقول؛ (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا
هو العزيز الحكيم ان الدين عند الله الاسلام)، قال: وكان مولده يوم الجمعة. [۱]
وفي معجزاته زمن حياة ابيه عليهما السلام؛ يوجد ۱۰ احاديث. [۲]
———-
[۱]: للشيخ الطوسي، ص ۲۴۶- ح ۲۱۶.
[۱]: لابي جعفر الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ۴۵۴، ب ۲۳، ح ۲۱.
[۱]: لا يخفى: ان الهادي من القاب امامنا العسكري عليه السلام.
[۱]: للفضل بن شاذان النيشابوري عن كفاية المهتدي (الاربعين) ذيل ح ۳۲، ص ۱۲۲.
[۱]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۴۳۰.
[۲]: لابي جعفر الشيخ الصدوق، ج ۲، ص ۴۳۰، ب ۴۲، ح ۵.
[۳]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۳۹۷.
[۴]: للشيخ الحرّ العاملي، ج ۳، ص ۶۶۹، ب ۳۳، ح ۳۷.
[۱]: منتخب الاثر، ج ۲، ص ۳۹۴- ۳۹۹.
[۲]: راجع منتخب الاثر، ج ۲، ص ۴۱۷- ۴۳۰.
[غیبه المنتظر من منتخب الاثر – صفحه۱۳۸]